ليبانون ديبايت - لارا الهاشم
في مثل هذا الشهر كان سكون البلدات الجردية المنتجة للتفاح يُخرق بضجيج التركتورات الزراعية والشاحنات التي تنقل صناديق التفاح من الاراضي الى البرادات بعد توضيبها. كانت تلك الطرقات الجردية النائية التي نادرا ما تدخل في حسبان مشاريع الدولة الانمائية تتعرج ويتحلل زفتها كرمى عيون التجار الذي يشترون المواسم ويشحنونها لنقلها الى البرادات، وكانت القرى تكتظ باليد العاملة التي تساعد في تسلّق الاشجار وقطف الثمار ونقل الصناديق.
لكن ايلول هذا العام اختلف وبقيت معظم التفاحات عالقة في الاشجار تنتظر من يقطفها. كيفما توسطت جمعة في العاقورة المنتجة ل 700 الف صندوق سنويا مثلا، سؤال وحيد لا يغيب عن الحاضرين " شو عملت بجنينتك، لقيت تاجر"؟. يخبرك فواز، رجل في اواخر الستينيات من عمره وقد كسا الشعر الابيض رأسه انه يذكر من طفولته عندما كان يقصد محلة اسمها "الضهر" في العاقورة، و كان يرى عمه ينصب شجر التفاح "كان عمي سركيس اول مين زرع التفاح بالعاقورة، التفاح بالضيعة عمرو 70 سنة". يتحدث فواز عن التفاح وكأنه احد ابنائه، يتحدث عن صمود تلك الشجرة في وجه برودة الطقس و قساوة المناخ و في وجه الاوبئة ويروي عن كرمها "فالشجرة الجيدة تعطي 10 صناديق وما فوق" ما كان يوازي سابقا ال 400 الف ليرة ل.ل. لكن تدريجيا انخفض سعر كيلو التفاح يقول فواز، من 1100 ل.ل الى ما بين ال 400 و 300 ل.ل. وبدل ان يبيع المزارع صندوق التفاح ب 16000 و 17000 على الاقل صار مبيعه اليوم ما بين ال 7000 وال 4000 ل.ل، علما ان كلفة الصندوق على المزارع لناحية الادوية والاسمدة والتجميع والري تتراوح ما بين ال 8000 و ال 9000 ل.ل.
فادي مزارع آخر من اكبر مالكي بساتين التفاح. ينتج موسميا حوالى ال 6000 صندوق تفاح ويتوزع مردود محصوله على اربع عائلات. كل منها تجني حوالى ال 20 مليون ليرة من الموسم. لكن هذا العام يقول فادي لن تجني العائلة اكثر من 5 ملايين ليرة لبنانية بعد حسم المصاريف التي تشكل ثلثي الموسم علما انه باع الصندوق لاحد التجار ب 8000 ليرة . طبعا يتحدث فادي عن التقاحتين المعروفتين "بالغولدن والستاركين" اما التفاح "الاميركاني" الذي كان يباع صندوقه سابقا ب 30 الف ليرة فبات اليوم سعره الاقسى 14000 ل.ل. اما الاسوأ بالنسبة اليه "فهو ان الكيلو الذي يشتريه التجار ب 300 ليرة اليوم من المزارع يباع في المحلات التجارية والسوبرماركت في بيروت ب 1500 ل.ل".
لكن اذا كانت قلة من هؤلاء قد صرّفت منتوجها فبعض من ابناء العاقورة لم يجد تاجرا يضمن بستانه حتى بات جنى سنوات مضت، مهدداً بالسقوط ارضا والا فيباع "بالرخص وبخسارة".
في شاتين ليس الحال افضل فالمصير عينه يلاحق حوالى ال 250 الف صندوق وفي هذا الاطار يطالب رئيس بلديتها سركيس روكز رئاسة الحكومة باتخاذ موقف حازم لتصريف الانتاج الزراعي ومن الحلول التي يقترحها في حديث لليبانون ديبايت هو فرض شروط على المنظمات المانحة والمؤسسات الدولية التي تفرض هي ايضا شروط على لبنان لاستقبال حوالى المليون ونصف نازح سوري. فيقول روكز " عوضا عن ان تشتري هذه المؤسسات الحصص الغذائية من اسواق خارجية فلتفرض عليها الدولة شراء المحاصيل اللبنانية. الناس اليوم على ابواب مدارس والمزارع الذي يعوّل على باب الرزق هذا يجد نفسه امام كارثة".
اما ابناء العاقورة فيطالبون الدولة بالاقتداء بالرئيس السابق كميل شمعون يوم وقف "وقفة رجال" كما يقول فواز واجبر الاميركيين على شراء التفاح. يتذكر ان يومها رفضت الولايات المتحدة شراء التفاح اللبناني لانه يضاهي تفاح كاليفورنيا بجودته. فما كان من شمعون الا ان استدعى السفير السوفياتي في بيروت ملمحا الى امكان شراء لبنان اسلحة سوفياتية فأجبر بالتالي الاميركيين على شراء موسم التفاح بأكمله ودفع ثمنه كاملا ورميه في البحر. اما اليوم وبعد اغلاق اسواق ليبيا وسوريا والاردن والعراق بفعل الازمة السورية وفي ظل ضيق الاسواق المصرية، تطالبُ الدولة بايجاد حلول جذرية ودعم المزارعين حتى لا تقضي على موسم يشكل ثروة بالنسبة لاصحابه وحتى لا يأخذ هذا الاستهتار طابعا طائفيا في ظل الدعم الذي تلقاه زراعات في مناطق اخرى. وبالتالي فالانظار تتجه نحو الاجتماع الذي سيعقد غدا مع وزير الزراعة اكرم شهيب قبل ان تتخذ بلديات جبيل وتنورين موقفا تصعيديا.
اخترنا لكم



