"تيتانيك ال 2016" بقلم المحامي لوسيان عون - عضو مؤسس في التيار المستقل:
قد يكون لاول مرة منذ أن هز العماد عون المسمار في العام 1989 غداة اطلاقه حرب التحرير ضد الاحتلال السوري ( الحليف ) أن فتح النار في كل الاتجاهات في العام 2016 ولكن ، هذه المرة مستعيناً بالصهر – سندة الضهر – ليقوم مقامه في كيل الاتهامات وسوق العبارات غير المألوفة في اشارة الى أن " الدق محشور " مع جنرال الرابية ، والهالة التي كان يتمتع بها عام 2005 عقب عودته من منفاه الباريسي والعام 2006 عندما لعب دور عراب التفاهم مع حزب الله والذي توج استدراج له معتبرين اياه ممثلا أوحداً للفريق المسيحي الذي تبنى المقاومة وثلاثيتها وغطى أعمالها وحروبها وعملياتها المتتالية مع كل ما خلقته من اشكالية في الداخل اللبناني قبل أن تتوسع حلقات عملياتها باتجاه اليمن وسوريا والعراق.
فصورة عون مترئساً في الرابية قمم قوى 8 آذار الشهيرة تبدلت في العام 2016 ، بعدما دفع الى صدارتها وكلف ترؤسها ، فكان المغادرون بالمفرق والجملة بدءاً من النائب اميل رحمة مروراً بكتلة النائب فرنجية والمقاومة والتحرير وصولاً الى فشل العونيين في حشد هذه القوى واستدراجها الى الشارع بعد خسارة أهم المعارك السياسية منها معركة العميد شامل روكز ومعارك التعيينات الامنية وصولا الى معركة تمديد قائد الجيش جان قهوجي.
ما كان حلالاً في العام 2006 اكراماً لعيون الجنرال بات محرماً اليوم ، حيث باتت آذان " صماء " لا ترغب بسماع ما يدغدغ أحلام عون مباشرة أم بالواسطة ، فلا القوات تجاري التيار بتخفيف "الدوز" ضد حزب الله، ولا حزب الله يرفع بعض الشيء من سقفه ويضغط على حلفائه فرنجية وبري أو حتى على جنبلاط والرئيس سلام، قبقيت السعودية كقميص عثمان لدى التيار ، يتهمونها بالعرقلة حيناً قبل أن يتحولوا الى" المستقبل" معتبرينه المحرض باتجاه الرياض لثنيها عن دعم عون للرئاسة، وهكذا دواليك، لعبة تدور رحاها بين القوى السياسية ، تجاذب وشد حبال عامودي وأفقي يبقى عون اشد المتضررين منه طالما أن المرشحين المحتملين باتوا محصورين بين اثنين من فريق واحد، أحدهما معرقل للآخر ، ولا أحد منهما على استعداد للانسحاب علماً ان أي انسحاب من قبل أحدهما يفيد حكماً 8 آذار ، والتشبث الى ما لا نهاية سيأتي حكماً بمرشح توافقي من خارج دائرة المرشحين الاقطاب الاربعة.
اليوم يبقى العماد عون معزولاً متروكاً وسط معركة رئاسية تضرر منها تباعاً حيث توالت الاخطاء ، فالانتخابات الداخلية بالامس كشفت ضعف القوة التجييرية للتيار ، حيث تبين أن عدد الناشطين العونيين رغم كل التعبئة التي حصلت لا يزيد عن ستة آلآف بعدما تخطى عددهم سبعين ألف منتسب عام 2006، فيما الانتخابات البلدية قبلها كشفت هشاشة ادارة العملية الانتخابية حيث اختلط الحابل العوني بالنابل في القرى والبلدات والاقضية، فضلأً عن أن المعارضة العونية الداخلية التي كرت سبحتها ككرة الثلج بما تضمنته من اسماء كوادر من القدامى تسببت بصدمة كبيرة داخلية ناهيك عن أن نتائج الانتخابات التمهيدية أثبتت للقيادة الجديدة أن القواعد لا تزال بمعظمها تحت قبضة القدامى من الكوادر والناشطين فيما الاسماء الطارئة من المتمولين والاثرياء ورجال الاعمال التي فرضت من قبل القيادة والتي استثني منها البعض "اكراماً لثرواتهم وعطاءاتهم المالية السخية المستجدة" قد ارتدت سلباً على المزاج العوني وولاءاته على مستوى القواعد الشعبية ولم يكن التعاطف الذي يبديه الكثير من العونيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع المعارضين الا خير دليل على ذلك.
لكن، وانطلاقاً من الرابية، يبدو أن العماد عون، وعبر صهره رئيس التيار الوزير باسيل قد قررا المواجهة على مستويين: مستوى سياسي لوحا به تهديداً في وجه الحلفاء تارة باعتماد خيارات أخرى – على حد تعبيرهما – الى حد وصل بهما المطاف الى التلويح بالفدرالية والمؤتمر التاسيسي والعصيان المدني والنزول الى الشارع والاستقالة من الحكومة توصلا الى انفراط عقدها وهذا ما تصدى له أقرب حلفائهم له وفي طليعتهم حزب الله.
ومستوى آخر تجلى باطلاق النار من قبل باسيل في كل الاتجاهات وعبارات نكراء واتهامات بالجملة : " شعب لا يدري مصلحته ، وملاعين يميناً وشمالاً ، ونية بتنظيف التيار " ما أعادنا بالذاكرة الى تهديد عمه ب " شطف البلد " تارة من فوق، وتارة من تحت، لكن يبدو أنه اضاع البوصلة فكان أن انقلب برميل الشطف على رؤوس العونيين فانهار الهيكل ، واتسخ الغسيل على السطوح، وانهارت أمبراطورية كاد أن يكتب لها النجاح في العام 2005 حين أوشك الجنرال أن يكون المرشح الاول لرئاسة الجمهورية آنذاك ، فاعتقد أنه قادر أن يقود السفينة بمفرده الى حيث يشاء فيطوّب على كرسي بعبدا هنيئاً محاطأً بقيادته المستحدثة، لكن سرعان ما كشف أن من انتقاهم من حلفاء لركبها وشق عباب بحره قد ثقبوها وغادروها على الشاطىء قبل انطلاقها وها هو في عرض البحر يطلق نداء الاستغاثة ، فما كانت أحلامه سوى طبق الاصل عن أحلام من بنى ال " تيتانيك " منذ مئة عام ونيف مع فارق واحد أن معظم ركابها قضوا بينما ركاب سفينة الرابية غادروها قبل ثقبها ولم يبق على متنها ملوحاً براية النصر الا القلة القليلة.
اخترنا لكم



