أعجبت أشد إعجاب بقراءة سريعة لحكاية تروى عن سقراط الفيلسوف.
يحكى أنه في أحد الأيام جاء لسقراط الحكيم، شخص يقول له بحماس شديد: هل تعرف ما سمعته عن أحد تلاميذك؟ فأجابه سقراط: قبل أن تتكلم أريد أن أجري عليك اختبارا بسيطا وهو اختبار مصفاة المثلث... وسأله الرجل مندهشا: وما هو هذا الاختبار العجيب؟
أجابه سقراط: هو اختبار يجب أن تجريه قبل أن تتكلم. فأول مصفاة اسمها الحقيقة: هل أنت متأكد أن ما ستقوله لي هو الحقيقة؟ قال الرجل: لا، لست متأكدا٬ أنا سمعته من... وقاطعه سقراط قائلاً: حسنا٬ إذن أنت لست واثقا إن كان الأمر صحيحا أم لا. فلننتقل إلى المصفاة الثانية وهي مصفاة الخير: هل ما ستقوله لي هو خير؟ فأجاب الرجل: لا بل على العكس. أكمل سقراط: حسناً، ستقول لي خبراً سيئاً حتى وإن لم تكن متأكدا من صحته. ومع ذلك سوف نجرب المصفاة الأخيرة وهي مصفاة الفائدة: هل ما ستقوله لي سيعود علي بالفائدة؟ وأجاب الرجل في خجل: لا، ليس له فائدة.
ختم سقراط حديثه بقوله: إذاً، ما دام ما تريد أن تقوله لست متأكداً من حقيقته٬ ولا هو للخير٬ وليس له فائدة٬ فلماذا تريدني أن أسمع؟
هذا الوضع ينطبق علينا تماما. فمواقع التواصل وغيرها من المصادر الإخبارية تعج بهذا النوع من «أشباه الرجال» حيث تقع عيناك على أخبار تنشر وأحاديث تعرض أغلبها لأسباب شخصية٬ ومصالح ضيقة٬ وطعن بالشخوص٬ واتهامات من دون دليل٬ وهجوم غير مبرر على بعض الشخصيات. فلا حقيقة تقال إلا ما ندر ولا خير مرجو منها ولا تعود بالفائدة.
بالضبط كما هو حاصل في فترة الصيف، تعيينات صيفية٬ تدوير٬ زيادة أسعار٬ الكهرباء والبنزين٬ بدل الإيجار٬ التموين٬ التعليم٬ العلاج بالخارج٬ الخصخصة٬ الاستثمارات الخارجية وغيرها من المواضيع التي يعتقد البعض أنها ستشعل دور الانعقاد المقبل لمجلس الأمة.
يقول المثل: لو فيه شمس بانت من أمس... الظاهر إن ربعنا عندهم مصدات غير طبيعية للصدمات ولديهم قدرة عالية في امتصاص كل ما هو غير مفيد للوطن والمواطنين.
المراد٬ إننا نريد صيفا خاصا جدا وحصريا للعقول الحكيمة ونريدهم فقط أن يجروا اختبار مصفاة المثلث على كل مسؤول عن الملفات العالقة والتي تؤرق كل عائلة كويتية مصنفة ضمن ما يطلق عليه «الدخل المحدود أو المتوسط»، وفي الغالب تجد بين أفرادها من يستطيع حل كل المشاكل العالقة.
ونريد أن نسأل العقول الحكيمة: لماذا لا يتم محاسبة كل صاحب حساب وهمي أو معلوم همه الأول والوحيد إثارة البلبلة وإشاعة أخبار غير صحيحة؟ ولماذا لا نجد مسؤولا قد تمت إقالته أو إدانته وزج خلف القضبان مع العلم بأن قضايا الفساد تتكرر منذ عقود؟
غير معقول أن نصبح على «مشكلة» أو «خلل» أو أي نوع من الانحرافات السلوكية ولا نجد حلا فوريا!
والشاهد أنه إذا أتت الحلول متأخرة٬ فاعلم أن من أوكلت له مهمة قيادة الموضوع المكلف به سواء مؤسسة أو قضية تهم الشأن العام لا يجوز استمراره في العمل وواجب مساءلته.
من العقول الحكيمة نفهم السبل المثلى للتعاطي مع شؤوننا وطريقة تعايشنا، ومن العقول الحكيمة تجد كلمة الحق هي المتبعة، ومن العقول الحكيمة توزن الأمور من دون تفرقة، ومن العقول الحكيمة نفهم أن الحكمة ضالة المؤمن: فأين هم من قول «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت...»، والله المستعان.
اخترنا لكم



