المحلية

ليبانون ديبايت
الاثنين 18 نيسان 2016 - 08:27 ليبانون ديبايت
ليبانون ديبايت

هذا انا جورج نادر.. الجيش ينتصر على الإرهاب في نهر البارد - الحلقة السابعة والعشرون

هذا انا جورج نادر.. الجيش ينتصر على الإرهاب في نهر البارد - الحلقة السابعة والعشرون

ليبانون ديبايت - الحلقة السابعة والعشرون من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

في الأول من ايلول، تقدّمت وحدات الفوج بشكل لم أكن أتوقّع، إذ إحتلّت عدّة مبانٍ لم تكن ملحوظة ضمن اهداف اليوم، وخوفاً من "إنفلاش" العناصر، إستنفرت سرايا الفوج لتدعيم المراكز المحتلّة والإبقاء على إحتياط لمواجهة الطوارىء، كون عديد السرايا المهاجمة لا يكفي ل "تعبئة" المراكز.

وصلت سرية الدعم في الفوج إلى قرب 50 متر من "الحاووز"، وهو خزّان المياه الأساسي للمخيّم ويقع على تلّة في وسط البقعة.. افدت العميد الحاج عن الخطوط الجديدة المحتلّة، لم يصّدق، وكلّف المقدم "بيار النغيوي" من مكتب القائد والذي كان مفصولاً إلى قيادة الجبهة، والمقدّم "طالب الشبيب" من مخابرات منطقة الشمال، والمقدّم "سامي الحويك" قائد القوة الضاربة في مديرية المخابرات، للتحقّق من صحّة الإفادات بواسطة جهاز تحديد الإحداثيات GPS.

إتصل به المقدم النغيوي :
"سيدنا، المجوقل وصل مطرح ما قلك العقيد نادر"

إتّصل بي العميد حاج ضاحكاً: "بالأول ما صدّقتك، برافو عليك أنا مش متوقّع منك الا هيك"
"سيدنا إزا أخدت الحاووز شو بيصير ؟"
"بتخلص مهمتك، لأنو بيكون سقط المخيّم"
"أمهلني 48 ساعة بيكون الحاووز معنا"
ولم تمضِ ال 48 ساعة، بل في الليلة التالية حاول المسلّحون "فك الطوق بالتسلّل" والخروج من المخيّم

من إفادات الأسرى لاحقاً، تبيّن أن المدعو "شاكر العبسي" قد جمع ما تبقّى من مسلّحيه، وكان عددهم 114 تقريباً، ووزّع عليهم "الغنائم" من اموال وجواهر وحلى، وأمرهم بحلق اللحى ثم بالتسلّل من حيث يستطيعون عبر خطوط الوحدات، ولكي لا يُحدثوا الضجيج، إستخدموا "الفرش" ومدّوها فوق الركام . وكان ذلك ليل ٢١ ايلول 2007.

"سيدنا، قتلنا مسلّح بالقطاع" إفادة السرية الرابعة التي تتمركز في النسق الثاني، وإحتياط الفوج ..
مسلّح في البقعة الخلفية للفوج، يعني أن هناك عملية تسلّل.
"مربض الهاون أطلق النار على مسلحين وقتلهما "
إذن هي عملية فرار أو تسلّل كبيرة وجماعية.
على جهاز الإرسال، أعطيت فوراً ألأمر:
" كل العسكر بالآليات واللي بيمشي ع الأرض بيكون عدو ..." لأنه يصعب التمييز بين العسكريين والمسلّحين ليلاً، فنحن لا نملك وسائل رؤية ليلية، لذلك كان وجوب إعتماد هذا الحل.

العميد بانو قائد الجبهة بقي على إتصال دائم لمعرفة ما يجري،
"شو عم بيصير عندك ، شو وضع العسكر ، شو في خسائر ، وشو في قتلى من المسلحين ..وين صارو ، عندك اسرى؟ الخ "

المغاوير عم يطاردو مجموعا تسلّلت وصارو بوادي السمك.

صباح الثاني من أيلول كان عدد المسلّحين الذين تمكّن الفوج من قتلهم يفوق ال 34 ، وعدد الأسرى حوالي 9.

مجموعة مسلّحين تسلّلت وإحتلّت بناية قريبة من قيادة الفوج، كلّفت السرية الثانية القضاء عليهم.

أفاد النقيب "سايد شحاده" آمر السرية: "ثمانية مسلّحين قُتلوا وسُحبت جثثهم". وكانت المفاجأة وجود بندقية م4 مع أحدهم.

رجعت بالذاكرة أسبوعاً إلى الوراء، وتذكرت إفادة أحد الأسرى الذي أُلقي القبض عليه وهو يحاول الهروب سباحة في شاطىء العبدة : "قال لنا شاكر العبسي، قد ضاقت الدنيا بنا، " وكان دائماً يتباهى بحمل بندقية م4 الخاصّة بالرقيب المغوار الشهيد "عبّاس كموني" من فوج المغاوير والذي تمكّن المسلّحون من سحب جثته والإحتفاظ ببندقيته ألأميرية نوع م4.

أفدت العميد الحاج : " بندقية م4 رقم ........... وجدناها مع أحد المسلّحين"

بعد دقائق أعطى الأمر: "سلّمها للمغاوير هيدي بندقية عبّاس كموني"

عند التاسعة تقريباً إتصل بي مدير المخابرات العميد "جورج خوري" :
"شو في عندك ؟مزبوط قيادة الفوج مطوّقا ؟"

"شو قلت سيدنا؟ المجوقل ما بيتطوّق، كان في كم مسلّح قضينا عليهن"

بعد ربع ساعة عاود الإتصال ونبرة صوته تنمّ عن عدم تصديقي: " جورج.. حدّي العماد قائد الجيش عم يسمعك، خبّرني شو في عندك."

أعدت الإفادة السابقة وزدت: "عدد القتلى صارو تقريباً 40 والأسرى 12 والوضع ممتاز، خسائر: لا شيْ."

بعد قليل وصل العميد الحاج :"أنتو شرف الجيش، ألله يقويكن، المغاوير ومغاوير البحر واللواء الخامس عملو شغلن، خلصت المعركي.. وسقط المخيّم".

لم أشعر في حياتي بفرحة مماثلة: سقط المخيّم، ولم أعد أسمع بإستشهاد وإصابة عسكريين.

"كل سريي تقول شو في عندا خسائر."
"جريح واحد بحالة الخطر من السرية الثانية"
"مين هوي؟"
"علي الوهم"، وبعد دقائق أُخبرت أن المجنّد علي الوهم، الرجل الذي قاد الجرّافة من وسط الطريق، والذي يريد التطوّع في الجيش قد إستشهد وهو يهاجم مجموعة المسلّحين قرب قيادة الفوج، فتلقّى رصاصةً في رأسه، لم تمهله سوى ساعتين حتّى فارق الحياة.

حزني عليه، يُعادل فرحتي بسقوط المخيّم، لكنّ والده، وفي أثناء التشييع في بلدته فنيدق، قال بالصوت الجهوري: "ما حدا يبكي ع أبني الشهيد، خود خيّو مطرحو يا سيدنا، نحنا كلنا للجيش"

نعم، هكذا قاتل العسكريون في نهر البارد، ومن خلفهم الأهل وصلابة الإيمان والموقف.

للأمانة والتاريخ ، فإن فوج المغاوير وفوج مغاوير البحر ولواء المشاة الخامس ووحدات من أفواج المدرعات الأول والثاني والمدفعية الأول والثاني والهندسة والأشغال المستقلً والقوات الجوية والبحرية، كل هؤلاء العسكريين قاتلوا بشراسة وإندفاع وسقط منهم شهداء وجرحى وإستبسلوا منذ الأيام الأولى لزجّهم في المعارك وحتى سقوط الإرهاب، ولا بد لي من ذكر ضباط ورتباء وافراد ومجنّدي الفوج المجوقل، فرداً فرداً، وأشكرهم على إندفاعهم وإخلاصهم لفوجهم وجيشهم وأقول لهم:

إنني أعتـزّ وأفتخر بقيادة هذا الفوج النخبة، ولولاكم لما إستطعت القيام بشيء، فأنتم، ورفاقكم في الوحدات المشتركة في القتال، اصحاب النصر، وأنتم وإياهم شرف الجيش وفخر الأمة اللبنانية.

لا استطيع إلا أن أشكر كل أهالي عكار والمنية، وكل القرى والبلدات والأشخاص الذين دعموا جيشهم بكل ما يملكون، بالرجال الذين كانوا دوماً يأتون بسلاحهم وأكثرهم عسكريون متقاعدون: "بواريدنا معنا، وخرطوشاتنا معنا.. بدنا نقاتل معكن ".

بالمال الذي كان ينفقه الميسورون من اهالي المنطقة ومن كل الوطن، يشترون الدروع الواقية والخوذ الحديدية لحماية الرأس، يدفعون ثمن الوجبات الجاهزة والحلويات وقناني المياه المعبّأة: "خلّو العسكر ياكل لقمي طيبي ويشرب مي باردي"

النساء اللواتي كنّ يحضّرن الطعام في بيوتهن ويرسلنه للعسكريين، وأغلبهنّ من عائلات مغمورة فقيرة جادت بمقتنياتها "للجيش لولادنا ورجالنا"

ساذكر بعض الذين أعطوا دون حساب، ولو لم يكونوا موافقين على ذكر أسمائهم ، إنفةً وتواضع:
ميلاد جبور، وديع العبسي، سليم الزهوري، أسعد الورّاق (رحمه الله)، إيلي الغريب، الحاج محمد الخير، الحاج وجيه البعريني وآخرون كثر لا تتّسع الصفحات لذكرهم.
أنتم خلفية الجيش الصلبة، ولولاكم، ولولا اهالي تلك المنطقة العزيزة، لما إنتصر الجيش، أو لكان إنتصاره باهظاً، أنتم شركاء في إنتصارنا، فالنصر لكم، والشكر لكم.
شكراً لكم.. شكراً لكم.. شكراً لكم..

(في الحلقة المقبلة عودة العسكر من المعركة)

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة