Beirut
16°
|
Homepage
هذا انا جورج نادر.. الوطن بكامله تحت الإحتلال - الحلقة السابعة عشر
المصدر: ليبانون ديبايت | الاثنين 14 آذار 2016 - 13:15

ليبانون ديبايت - الحلقة السابعة عشر من مذكرات العميد الركن المتقاعد جورج نادر

بعد تسلّم العماد "إميل لحود" قيادة الجيش، سادت مرحلة من الإحباط صفوف العسكريين الذين قاتلوا بقيادة العماد عون، تشكيلات العسكريين "تأديبياً" بمجرّد لفظ اي جملة أو عبارة تنمّ عن عدم الرضى، فكانت الألوية التي تنتشر جنوباً وبقاعاً وشمالاً "مأوى" للمؤدبين كما درجت العادة على تسميتهم. (ليست تلك الوحدات للتأديب ولا هي مأوى، هي وحدات مقاتلة من الجيش لها كيانها وتاريخها كما باقي الوحدات، إنّما البعد الجغرافي لمناطق تمركزها أعطى لها هذه الصفة).

كنّا كالمصابين بالبرص في أيام السيّد المسيح: يُطرح المريض خارج القرية لأن مرض البرص يُعتبر عاراً على المصاب. لم يكن في أغلب الأحيان، ليجرؤ رفاق لنا على إلقاء السلام في الأمكنة العامة "حتّى ما ينشمس"، واقول بمعنى الجمع: نحن، أي ليس كل الضباط الذين قاتلوا بقيادة العماد عون، بل حفنة منهم رفضت "الزحف"على أبواب ضباط المخابرات السورية، لأنه وللأسف، قسم منهم "إستقتل" لإسترضاء "الولاة" السوريين بالهدايا "والنساء" للحصول على الرضى بادىء الأمر، ثم لنيل " الوظائف " المهمّة، والأنكى كانوا يعتبرون أنهم "زبّطو حالن"... يا لهذه القِيم: الخضوع والذل ونيل رضى المحتلّ عُدّ "تزبيط" الأحوال.


في نهاية شهر حزيران من العام 1991، قرّرت "الحكومة اللبنانية" نشر الجيش في الجنوب، وكلّف فوج المغاوير تأمين تقدّم القوى التي ستنتشر بدءاً من قرى شرق صيدا.

في البداية أبدت بعض المنظّمات الفلسطينية معارضتها لقرار الحكومة اللبنانية بنشر الجيش وأعلنت أنها ستقاوم القوى التي ستنتشر في قرى شرق صيدا وجوارها وحول مخيمي المية ومية وعين الحلوة للاجئين.

صدرت مذكرة تشكيلات في الوقت ذاته تقضي بتشكيل أربع آمري سرايا من الفوج دفعة واحدة خلال فترة إنتشار الفوج المرتقبة، رفض عسكريو السرايا التي شُكل آمروها (النقيب شامل روكز،النقيب سعيد الرز، الملازم أول جوزيف عون وأنا ) الإنصياع وفرّ بعضهم من الخدمة وسادت أجواء بلبلة بين الوحدات في الفوج، جُمّدت مذكرة التشكيلات لحين تنفيذ المهمة، إلتحق العسكريون بسراياهم بإمرة الضباط الذين إعتادوا على قيادتهم، فكانت "معركة" شرق صيدا، ( الأول من تموز من العام 1991 ) حيث وبخلال ساعات، تمكنت وحدات الفوج من تنظيف قرى: لبعا، عين المير، بيصور، جنسنايا، الأشرفية، المية وميّة ووصلت إلى تخوم مخيم اللاجئين الفلسطينيين في "المية ومية"، وذلك دون خسائر في الأرواح اللهم إلا بعض الإصابات.

في لقائه مع ضباط الفوج قرب نهر الأولي خاطب قائد الجيش العماد إميل لحود عسكريي الفوج: " في معكن ضباط شرفا مشكّلين من الفوج وقاتلو بشجاعا، أعتبرو أنن ما تشكّلو".
لكن إلغاء مذكرة التشكيلات كان إلى حين، فبعد أربعة اشهر شُكل الضباط تباعاً: النقيب سعيد الرز إلى فوج التدخل الثاني، والنقيب شامل روكز إلى مديرية المخابرات – فرع المكافحة، ثم أنا إلى... لواء الدعم.. أدركنا حينها أن لا مكان لنا في التركيبة الحالية، "ولو بتضوّي صابيعك العشرا".

في أواخر العام 1991، خضعت للجنة طبية لتحديد وضعي الصحّي جرّاء الإصابات التي تفاقمت بعدما أجريت عدة عمليات جراحية لتحسين إداء اليدين، لكن دون جدوى. أقرّت اللجنة أن نسبة "التعطيل" هي 65% مع التحفّظ، اي أنها مرشحة للتفاقم، وبعدم صلاحيتي للخدمة إلا في قطعة إدارية فقط، ومن العام 1992 وحتى العام 2005، تاريخ عودتي من دورة الأركان في فرنسا وحتّى إحالتي على التقاعد لم أخدم إلا في قطع مقاتلة بإستثناء فترتي معسكر خدمة العلم وكلية القيادة والأركان.

في بداية العام 1993 شُكِّلت من لواء الدعم إلى فوج التدخّل الثالث بقيادة المقدم فرنسوا الحاج، ضابط اقلّ ما يوصف به: شهم، شجاع، يلتزم بجيشه حتى العظم، يحب عسكرييه ويدافع عنهم.

الفوج أنشىء حديثاً من "تجميع" سرايا من فوجي التدخّل الأول والثاني وتطويع عسكريين جدد، عهد إليّ قائد الفوج بتدريبهم وتنشئتهم، ومن ثم كانت سريتي أول وحدة تنتشر في "الجبل" بعد الحرب، 18 حزيران من العام 1994 في عاليه وبخشتيه وصولاً حتى بسرّين: قرى مهجورة بيوتها غير صالحة للسكن، إذ خُلعت وسرقت الأبواب والنوافذ والبنى التحتية، منازل مهدّمة، حتى أن بعض القرى كشرتون وبسرّين قد أزيلت من الوجود إذ دمرت منازلها كافة وجُرفت فلم يبق لها أثر.

أذكر أنني كنت أقوم بجولة على المراكز العسكرية، وعند وصولي إلى مركز قرية "شرتون" لتفقّد العسكريين إذا بأحدهم يقول:
" سيدنا عمول معروف ما تدعس هون في ضابط شهيد.."

إنه قبر الملازم أول الشهيد سمير الشرتوني الذي إستشهد في 11/6 / 1970 وأطلق إسمه على أحد مباني المدرسة الحربية وهو من بلدة شرتون، حيث جاء والده بعد دخول الجيش وتعرّف إلى المكان الذي دُفن فيه إبنه الشهيد قرب الخيمة التي نُصبت لإيواء عناصر المركز، فعمد الجنود إلى إحاطة القبر بالحجارة ثم نظّفوا الأرض حوله، ولاحقاً زرعوا الزهور حول القبر، وقامت العائلة بإعادة بناء المقبرة المهدّمة التي تحوي رفات الضابط الشهيد.

الكتيبة 94 التي خدمت فيها في بداية حياتي العملانية، عدت إليها برتبة رائد، حيث إنتقلت من الشوف إلى صور فكسروان. أحببت هذه الكتيبة التي خدمت فيها حديثاً، وإلتقيت فيها بأغلب رفاق السلاح القدماء، وجلّهم رتباء لأن الضباط قد شُكّلوا تباعا من الكتيبة.

من الكتيبة 94 إلى معسكر خدمة العلم ثم فوج التدخّل الخامس، ومن بعده قائداً للكتيبة 114 التابعة للواء الحادي عشر. كنت أول ضابط من دورتي توكل إليه قيادة كتيبة، وقائد اللواء العميد الركن محمد عباس، ضابط يتمتّع بأخلاق رفيعة، حكيم، مهذّب يتّسع صدره للإعتراض والنقد.

ذات يوم أفادني آمر مشغل الآليات في الكتيبة وكان يتمركز في بكفيا، عن فقدان 100 ألف ليرة من سترة أحد العسكريين. بعد التحقيق تبيّن أن أحد المجنّدين من آل الرفاعي على ما اذكر، ويقطن في صور، هو الفاعل. صُدم الجميع للحادثة كون الفاعل عسكري إنضباطي يؤتمن له، ويعمل بصمت.

" ليش عملت هيك يا رفاعي ؟ "
لم يجب، بل سالت على خديه دمعتان، إختصرتا معاناته: هو المعيل الوحيد لذويه براتبه المتواضع 150 ألف ليرة، والده مريض وعاجز عن الكسب، يحتاج لدواء بصورة دائمة، عمه شقيق ابيه وزوجته يقطنان معه في المنزل ذاته بالإضافة إلى إخوة له صغار، وقد "سرق" المبلغ ليشتري الدواء لوالده المريض.

أعطيته مبلغاً يحتاج إليه من صندوق ضباط الكتيبة، ووجّهت التحقيق بحيث يُستنتج أنه "إستعار" المبلغ من رفيقه دون ذكر السرقة التي هي جرم يؤدي بصاحبه إلى الطرد من الجيش و "خربان" بيته.

إستدعاني قائد اللواء إلى مكتبه وكان عاتباً جداً:
"مش معقول هيك يا جورج، عسكري سرق مصاري وأنت عملتا انو أستعار غرض من رفيقو"
" سيدنا، لو أنا كنت مطرحو كنت عملت زات الشي" وشرحت له الوضع العائلي المذري للمجنّد.
"بتعرف، لو منك مسيحي كنت قلت عنّك أنك متعصّب" قالها مازحاً ثم أعطى المجنّد مبلغاً مماثلاً.

من اللواء الحادي عشر، إلى كلية القيادة والأركان، متدرّب في الدورة الرابعة عشر.
قبل الإلتحاق بالدورة، طلب مني رئيس القسم الأول في اللواء العقيد الركن صلاح فضل الله أن أوقّع على علاماتي (يضع قائد الوحدة علامات الضباط المشكلين من وحدته):
"أقرا العلامات قبل ما تمضيهن"
"مش العميد عباس حاططن؟ بمضي بدون ما اتطلع"

وأخبرني حينذاك العقيد فضل الله (أحد مدرّبي في المدرسة الحربية) بأن قائد اللواء العميد عباس قال له: "حط علامات الضباط المشكلين من عدا جورج نادر"
"ليش سيدنا" أجابه العقيد.
"مش حر أنا، أنا بدي أكتبلو علاماتو"
ولا يزال العميد عبّاس القائد صديقاً لي أعتزّ بصداقته وبأنني خدمت تحت قيادته.

(في الحلقة القادمة وجهاً لوجه مع فوج وحدات خاصة سوري)
المقدم جورج نادر
المقدم نادر في مكتبه
المقدم نادر مع ضباط فوج التدخل الثالث ١٩٩٣ - من اليمين: النقيب جورج الحايك، النقيب ميلاد اسحاق، النقيب فؤاد عويدات، النقيب نادر، والنقيب وليد عبد الغني
فوج التدخل الثالث: النقيب نادر، المقدم فرنسوا الحاج قائد الفوج، الرائد يوسف عطوي، الرقيب الاول جيلبير الحاج، والرقيب مخايل يمين.
عرض عسكري في معسكر خدمة العلم ١٩٩٨
مدرب في معسكر خدمة العلم ١٩٩٨
المقدم نادر يستلم درع فوج التدخل الخامس من قائد الفوج المقدم جوزف نجيم ١٩٩٩
حفل توزيع درع اللواء ١١ من العميد الركن محمد عباس قائد اللواء (٢٠٠٠)
الملازم أول الشهيد سمير الشرتوني
تابعوا آخر أخبار "ليبانون ديبايت" عبر Google News، اضغط هنا
الاكثر قراءة
كليب "يُرجح" ما قد تبلغه فرنسا لِميقاتي اليوم! 9 حافي القدمين... نائب سابق يتعرّض لسرقة "من نوع آخر"! (فيديو) 5 بالفيديو: إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في برج حمود 1
واشنطن تكشف دورها في "الضربة الإسرائيلية" على ايران 10 "النكزة الأخيرة"... منشورٌ "ناريّ" للسيّد! 6 حادثة رئاسية فضحت "الثنائي الشيعي" 2
بشأن تعديل قيمة رسوم المعاملات... بيانٌ من الأمن العام! 11 بشار بطل عمليّة نصب كبيرة في طرابلس! (صور) 7 مستجدات فصل بو صعب من التيار! 3
"التيار معجون عجن بالغش"... جعجع يستنكر! (فيديو) 12 عصابة "خطرة" تنشط في طرابلس... بطلتها إمرأة! 8 سيناريو "مُقلق" ينتظر مطار بيروت... إنذار خطير وأيام حاسمة! 4
حمل تطبيق الهاتف المحمول النشرة الإلكترونيّة تواصلوا معنا عبر